الإحتفال بالنكســــة !!!
.........
كثير من الناس يطالبون بأننا مانجيبش سيرة النكسة دى خالص ॥.... ونشيل تاريخ 5 يونيه من كل أجنداتنا ونتائجنا الحائطية .. مش بس كده .. دول كمان بيقولوا إنه لازم نمحى هذا التاريخ.. وحرب الأيام السته من تاريخ مصر المعاصر .. لأننا مش لازم نخلى الأجيال الجديدة تعيش التجربة المريرة اللى عاشتها أجيال النكسة .. بالذمة شفتم غباء أكثر من كده ..!! أنا فى رأيى الشخصى أنه لولا النكسة ومرارتها .. ماكانت حرب وأنتصارات أكتوبر وحلاوتها .. وبقدر مرارة الهزيمة فى حلوقنا ونفوسنا ... يكون أستمتاعنا بحلاوة وطعم النصر الكبير .. ويجب علينا نحن جيل النكسة .. أن نطعم أولادنا وأحفادنا طعم المرارة والعلقم الذى تجرعناه .. ليتجرعوه هم أيضا .. أو على الأقل يشعرون بطعم مرارته .. حتى يمكنهم الحرص على حلاوة النصر .. وطعمها اللى زى السكر .. وفكرت ماذا أكتب أحتفالا بهذه المناسبة .. نعم (أحتفالا بالنكسة ).. فلم أجد أجمل من قصيدة ( هوامش على دفتر النكسة ) للشاعر الكبير – رحمة الله عليه – نزار قبانى .. والتى بحق واحدة من أروع ماكتب نزار فى مرحلته الشعرية الثانية ( مرحلة الشعر السياسى ) .. وقد كنا نتناول قصيدته جهرا وبفخر بعد النكسة .. وقد كنا قبل ذلك .. نخاف أن نتذكر شعر أحمد فؤاد نجم ( مثلا ) .. حتى بيننا وبين أنفسنا (خوفا من رحلات ماوراء الشمس التى كانت منتشرة فى الستينات ) .. لهذا يجب أن نحتفل بالنكسة .. فإحدى إيجابياتها الكثيرة .. هو كسر حاجز الخوف فى نفوس شباب تلك المرحلة .. فلم يكن بالأمكان أسوأ مما كان !!!
*********************
هوامش علي دفتر النكسة
...........
أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمة
والكتبَ القديمة
أنعي لكم..
كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمة..
ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمة
أنعي لكم.. أنعي لكم
نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلي الهزيمة
***
يا وطني الحزين
حوّلتَني بلحظةٍ
من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين
لشاعرٍ يكتبُ بالسكين
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقي من مواهبِ الخطابهْ
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ
خلاصةُ القضيهْ
توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ
والروحُ جاهليهْ...
***
كلّفَنا ارتجالُنا
خمسينَ ألفَ خيمةٍ جديدهْ
لا تلعنوا السماءْ
إذا تخلّت عنكمُ..
لا تلعنوا الظروفْ
فالله يؤتي النصرَ من يشاءْ
وليس حدّاداً لديكم.. يصنعُ السيوفْ
ما دخلَ اليهودُ من حدودِنا
وإنما..
تسرّبوا كالنملِ... من عيوبنا
***
نركضُ في الشوارعِ
نحملُ تحتَ إبطنا الحبالا..
نمارسُ السَحْلَ بلا تبصُّرٍ
نحطّمُ الزجاجَ والأقفالا..
نمدحُ كالضفادعِ
نشتمُ كالضفادعِ
نجعلُ من أقزامنا أبطالا..
نجعلُ من أشرافنا أنذالا..
نرتجلُ البطولةَ ارتجالا..
نقعدُ في الجوامعِ..
تنابلاً.. كُسالي
نشطرُ الأبياتَ، أو نؤلّفُ الأمثالا..
ونشحذُ النصرَ علي عدوِّنا..
من عندهِ تعالي...
***
لو أحدٌ يمنحني الأمانْ..
لو كنتُ أستطيعُ أن أقابلَ السلطانْ
قلتُ لهُ: يا سيدي السلطانْ
كلابكَ المفترساتُ مزّقت ردائي
ومخبروكَ دائماً ورائي..
عيونهم ورائي..
أنوفهم ورائي..
أقدامهم ورائي..
كالقدرِ المحتومِ، كالقضاءِ
يستجوبونَ زوجتي
ويكتبونَ عندهم..
أسماءَ أصدقائي..
يا حضرةَ السلطانْ
لأنني اقتربتُ من أسواركَ الصمَّاءِ
لأنني..
حاولتُ أن أكشفَ عن حزني.. وعن بلائي
ضُربتُ بالحذاءِ..
أرغمني جندُكَ أن آكُلَ من حذائي
يا سيدي..
يا سيدي السلطانْ
لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ
لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ
ما قيمةُ الشعبِ الذي ليسَ لهُ لسانْ؟
لأنَّ نصفَ شعبنا..
محاصرٌ كالنملِ والجرذانْ..
في داخلِ الجدرانْ..
لو أحدٌ يمنحُني الأمانْ
من عسكرِ السلطانْ..
قُلتُ لهُ: لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ..
لأنكَ انفصلتَ عن قضيةِ الإنسانْ..
نزار قباني
***************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق